االمرحوم الشيخ عبد الزهراء الكعبي
------------------------------------------
الشيخ عبدالزهراء بن الشيخ فلاح بن الشيخ عباس بن الشيخ وادي الكعبي ولد في كربلاء في الخامس عشر من جمادي الأول وهو يوم ذكرى مولد فاطمة الزهراء عام 1327 هـ الموافق 4 يونيو 1909 ولذلك سمي بعبد الزهراء, وتوفي في 15 جمادي الأول وهو ذكرى وفاة فاطمة الزهراء أيضا في عام 1394 هـ الموافق 6 يونيو 1973م. وهو رجل عراقي يعد من أشهر خطباء المنبر الحسيني في العراق والخليج العربي. وهو أول من أحسن قراءة مقتل الإمام الحسين في يوم العاشر من المحرم وقراءة مسير السبايا والأربعين.
توفي الشيخ عبدالزهراء الكعبي بسبب سم وضع له في القهوة بعد أن صعد على المنبر ليؤبن فاطمة الزهراء بعزاء أحد أصحابه وبعدها أحس بصداع شديد نقل على أثره إلى المستشفى الحسيني وهناك تم إسعافه ثم عاد إلى بيته الواقع بحي الحسين وهناك توفي عن عمر يناهز السابعة والستين عاما.
--------------------------
اسم على مسمى
-------------------------
بذكرى مولد الصديقة الزهراء (عليها السلام) في الخامس عشر من شهر جمادي الأولى في عام 1327 هـ ولد الشيخ عبد الزهرة الكعبي في كربلاء المقدسة، وبذكرى وفاتها في الخامس عشر من شهر جمادي الأولى أيضاً عام 1394 هـ الموافق 6/6 /1973 وفد على ربه آمناً مطمئناً، وبين الولادة والوفاة مسيرة أمدها سبعاً وستين عاماً حافلة بالعطاء والعظمة وكأن الإرادة الإلهية شاءت أن تنطلق هذه المسيرة المظفرة مع الزهراء وولائها حتى أصبح عبد الزهراء اسماً على مسمى وكأن فيه قول القائل:
---------------------------------------------------
يا قوم قلبي عند زهراء *** يقصده السامع والرائي
لا تــدعني إلا بيا عبدها *** فإنـــــه أشرف اسمائي
نسبته وأسرته
--------------------------------
هو أبو علي الشيخ عبد الزهراء بن الشيخ فلاح بن الشيخ عباس بن الشيخ وادي الكعبي ينتسب إلى قبيلة بني كعب المنتهية إلى كعب بن لؤي بن وائل، وقد نزحت أسرته من المشخاب واستوطنت كربلاء.
دراسته وخطابته
------------------------------------
تعلم مبادئ القراءة والكتابة بالطرق التقليدية عند الكتّاب وحفظ القرآن كله في سن مبكرة عند الشيخ محمد السراّج في الصحن الحسيني الشريف، ثم تلقى علومه الدينية في حوزة كربلاء على أفاضل الأساتذة وطلائع العلماء، فقد أخذ أوليّات العلوم على العلاّمة الشيخ علي الرمّاحي، ثم درس الفقه وأصوله على يد العلاّمة الشيخ محمد الخطيب، وتتلمذ في المنطق على الشيخ جعفر الرشتي، وفي علم العروض على الشيخ عبد الحسين الحويزي، ثم أصبح هو من أساتذة الحوزة النابهين يلقي دروسه في الفقه الإسلامي واللغة العربية على مجموعة من طلبة العلوم الدينية.
أما خطابته فقد تلقاها عن خطيب كربلاء الشهير الشيخ محسن أبو الحب، والخطيب المؤلف الشيخ محمد مهدي المازندراني ومارس عمله بإتقان وإخلاص حتى أصبح من أبرز الخطباء العراقيين ومن أساتذة المنبر المبرّزين، وقد تخرج عليه جيل من خطباء المنبر الحسيني كان في طليعتهم الخطيب الشهير الشيخ عبد الحميد المهاجر والشيخ ضياء الزبيدي والشيخ علي حيدر والشيخ أحمد معرفة وغيرهم من الجيل المعاصر وذكر أحد تلامذته أن أكثر من خمسين خطيباً تأثروا بأسلوبه وطريقته في الخطابة، وكان يحرص على إعداد جيل من الخطباء متسلّح بثقافة دينية صحيحة وكان ينفق جل وقته في توجيه وتربية الخطباء الناشئين ويغدق عليهم بسخاء من مكارم أخلاقه وما يحتاجونه من خبرة منبرية واسعة.
كان شيخنا المترجم له خطيباً مربياً مخلصاً في خدمته لسيد الشهداء، ثنيت له وسادة المنبر الحسيني في كربلاء، ثم دعي خطيباً لإحياء المواسم الحسينية في كل من الكويت والبحرين والإحساء والقطيف ولبنان وغيرها، وذاع صيته الأرجاء بقراءة المقتل الحسيني الشهير.
الكعبي والأدبي العربي
--------------------------------------
يتبادر إلى الذهن عندما يذكر الشيخ الكعبي (مقتل الحسين)، وخطابة المنبر إلا أن للشيخ الخطيب باع طويل في الأدب العربي بقسميه الفصيح والدارج، فقد ذكر المرجاني في كتابه خطباء المنبر أن له ديوان شعر تحت عنوان: (دموع الأسى) لا يزال مخطوطاً في مكتبته بكربلاء، ولا يعلم إذا اعتراه التلف أو الضياع في ظل الظروف الراهنة، ومن نماذج شعره قال مؤرخاً مسجداً في كربلاء:
------------------------------------------
ذا مسجد قد جددت بنـــــــاءه *** أكارم أهــــــــل عـــــلا وســــــؤدد
سعى به عبد الأمير ذو العلى *** من قد سما بالـــعز هــــام الفرقـــد
وشاطرته في البنــاء عصبـة *** ترجو بذاك الفوز يــــــوم الموعـــد
يا داخلاً فيه اذكر الله هـــدى *** وبعــــــده صلّـــــي علـــى محـــــمد
واستغفر الله وأرّخ قـــــــائلاً *** شــادوا على التقوى أساس المسجد
ويقول في مدح الإمام الصادق (عليه السلام):
-------------------------------------------------
لأبي الكاظم الإمـــــام أيــادٍ *** ســــــابقات تعــمّ كل البرية
أظهر الله فيه شـــرعة طه *** بعد إخفائها فعــادت بهــــية
رويت عنـــه للأنــام علوم *** هي كانت من قبل ذاك خفية
فحفظنا تلك العلوم ومن ذا *** قد عرفنا بالفرقة الجـعفريه
ويقول في قصيدة في مدح أمير المؤمنين (عليه السلام):
خليفة طه في الــــــبرية حيــــدرُ *** وليس سواه في الأنام أميرُ
إذا امتار أهل الأرض كيلاً فإنني *** ســوى حبهِ تاللهِ لستُ اميرُ
وقد نشرت له مجموعة من المقالات في مجلة صوت المبلغين الكربلائية، وله مكتبة ضخمة تربو على العشرة آلاف كتاب، وليس له تأليف مطبوع سوى المقتل.
المحطة الأخيرة
-----------------------------------
في ليلة الجمعة بكربلاء سكت صوت الكعبي فجأة، ذلك الصوت الذي كان للتو يجلجل ناعياً أم الأئمة بمجلس عزائها، وتعطلت تلك الحنجرة الخارقة التي تصدح بحزن في مصاب سيد الشهداء (عليه السلام) لنصف قرن من الزمن، وتوقف ذلك القلب الطيب العطوف، واطفأت تلك الروح المتوثبة، وخمدت تلك الشعلة الحسينية المتوهجة.
لقد هجمت عليه المنية، وباغته ريب المنون، بعد أن حضر مجلس الفاتحة لأحد معارفه، وارتقى المنبر يؤبن الزهراء (عليها السلام) بذكرى وفاتها، وبعد فراغه أحس بدوار واضطراب نفسي شديد نقل على أثره إلى المستشفى الحسيني، وبعد إسعافه عادوا به إلى داره في حي الحسين، وهناك صعدت روحه إلى بارئها، ولفظ نفسه الأخير، والتحق بركب الحسين (عليه السلام) مع الشهداء والصديقين.
وفي صبيحة الحدث الجلل والخسارة الفادحة هبت كربلاء عن بكرة أبيها، وزحفت الجماهير من كل حدب وصوب لتشيع خطيبها المعظّم، فحملت نعشه على الرؤوس ورفعت جنازته على الأكف، وكان يوماً مشهوداً ضجت به الناس ضجّة واحدة، وحنّت حنّة ثاكلة تشيعه الدموع الساخنة، والزفرات اللاهبة، وأصوات تسجيلاته تخترق الأفق نعياً وحزناً حتى أنزلوه في مثواه الأخير في مقبرة كربلاء فإلى روح وريحان وجنة نعيم، وسلام عليكم أبا علي وعلى روحك الطيب وجسدك الطاهر، طبتم وطابت الأرض التي فيها دفنتم وفزتم والله فوزاً عظيماً.
تشييعه
كان يوماً مشهوداً في مدينة كربلاء بل في العراق، فقد زحفت الجماهير من كل حدب وصوب للاشتراك في تشييع جثمانه المقدس عبر الخط الطويل من داره إلى مرقده في الوادي القديم بعد إتمام الزيارة والصلاة عليه.
وكانت مراسيم تشييعه مشابهةً تماماً لمراسيم تشييع مراجع الدين الكبار، حيث وضع جثمانه في (العماري) وهي نعش خشبي كبير يوضع فيه التابوت
احتراماً للمتوفى.
ثم انطلقت المسيرات العزائية الحزينة في مقدمة الجنازة.
وقد ضجت لوفاته كثير من البلاد الإسلامية فكتبت عنه الصحف والمجلات وأقيمت على روحه مجالس الفاتحة في كثير من البلاد داخل العراق وخارجه.
---------------------------------------------