لأستاذ غضبان رومي ألناشىْ / أول معلم في ميسان من مواليد قلعة صالح
--------------------------------------------------------
غضبان الرومي
قارع جرس الاهتمام بالمندائيين وديانتهم
هو غضبان بن رومي بن عكله بن عران بن ناشي، ولد في عام 1905 في مدينة قلعة صالح في العمارة، ونشأ غضبان رومي في اجواء دينية مندائية وسط عائلة كبيرة.
اكمل دراسته الابتدائية عام 1921 في بدايات الحكم الوطني، وصادف ان مستشارا انكليزيا اسمه ( رايلي) كان يتجول في القصبات الجنوبية العراقية للتفتيش عن الشباب الواعين ممن يحسنون القراءة والكتابة لترشيحهم للعمل كموظفين ومعلمين في الحكومة الوطنية العراقية الجديدة، لان الانكليز رأوا ان هناك حاجة عاجلة للمتدربين لخدمة الحكومة، كما ان الحاجة كانت ماسة لتدريب معلمين من ذوي كفاءات عالية للتدريس في المدارس التي انشئت حديثا، واثناء مروره بمدينة قلعة صالح تعرف على غضبان رومي وابراهيم يحيى شيخ سام من جملة من تعرف عليهم.
اما ابراهيم فدخل دار المعلمين الاولية في بغداد وتخرج معلما، واما غضبان فدخل دار المعلمين الابتدائية ذات الثلاث سنوات، وبفض ذكائه تمكن من اتمام دراسته بسنتين فقط ، وتخرج معلما عام 1923، وتم تعينه في مدرسة قلعة صالح الابتدائية فكان بذلك اول موظف ومعلم مندائي يتم تعينه. ومن جملة من درسهم غضبان في باكورة عمله من المندائيين المرحوم الدكتور عبد الجبار عبد الله ورشيد غالب رومي وغيرهم، وبقي معلما في هذه المدينة طيلة اربع سنوات، تم بعدها نقله الى مركز مدينة العمارة وعين مدرسا في مدرسة( السنية) معلما ثم مديرا لاكثر من عشر سنوات، ثم نقل الى البصرة مدرسا للغة الانكليزية في احدى متوسطاتها، حيث امضى هناك سنتين، ثم عاد مدرسا في احدى متوسطات العمارة لاكثر من اربع سنوات، ثم نقل الى الكوت وامضى فيها سنتين، ثم الى بعقوبة حيث امضى ثلاث سنوات، ومن ثم تم نقله الى بغداد عام 1950 حيث اصبح مدرسا لمادة اللغة الانكليزية في مدرسة المأمونية، ومن ثم في مدرسة تطبيقات دار المعلمين في الاعظمية، ثم ارسل في دورة الى مدينة بيروت من قبل منظمة اليونسكو التابعة لهيئة الامم المتحدة لمدة ثلاثة اشهر لتعلم طرق تدريس اللغة الانكليزية، وكان ذلك عاك 1952، وحين عاد الى بغداد عين في مدرسة الغربية وبقي فيها حتى عام 1963 حيث احيل على التقاعد.
وكما ذكرنا فان غضبان قد نشأ في بيئة دينية منذ طفولته، وبدأ يتعلم اللغة المندائية على يد رجال الدين منذ عام 1918، وكان متحمسا جدا لخدمة المندائيين، وبدأ الكتابة في عدد من الصحف المحلية في العمارة، حيث كان ينشر في جريدة الكحلاء عن المندائيين والدين المندائي، وكانت كتاباته تلاقي الاستحسان والتأييد. كان يتتبع اخبار المندائيين ونشاطاتهم وما ينشر عنهم في الصحف والمجلات والكتب العربية والاجنبية، ويرد ما امكنه الرد مصححا وموضحا حقائق الدين المندائي. وقد اغنى الراحل المكتبة المندائية بمؤلفات لها اهمية كبيرة في تعريف الدين المندائي ومن مؤلفاته:
1- كتاب صابئة العراق
2- تعايم دينية لابناء الطائفة
3- الصابئة المندائيون قام هو والراحل نعيم بدوي بترجمته عن الانكليزية والتعليق عليه
4- كتاب النبي يحيى في زمانه
5- الصابئة
6- له عدد من المؤلفات المخطوطة غير مطبوعة الى يومنا هذا منها( وفاء الصابئة) ,( جذور مندائية)
قام الراحل بالقاء عدد كبير من المحاضرات في العديد من المعاهد والكليات العراقية موضحا فيها اثر الدين المندائي على بقية الاديان السماوية، كما قام بنشر الكثير من البحوث والمقالات والدراسات في الصحف والمجلات، وترجم الكثير من النصوص المندائية الى اللغة العربية.
اتجه غضبان رومي بعد احالته على التقاعد الى خدمة المندائيين باخلاص وتفان، فبعد ان انتقل غالبية المندائيين الى بغداد اصبحوا بحاجة الى رعاية وتوجيه، فبضل جهوده تأسس مجلس التوليه من وجوه الندائيين المعروفين، وبرئاسة المرحوم الشيخ عبد الله الشيخ سام، وكان هدف هذا المجلس هو جمع شمل المندائيين والحفاظ عليهم من التشتت، وبناء معبد يليق بمقامهم، وتم بالفعل امتلاك ( مندي) في منطقة الدورة، اتجهت النية للحصول بعد ذلك على قطعة ارض لجعلها مقبرة لموتى ابناء الطائفة، وبعد جهود مضنية تم امتلاك قطعة ارض في ابي غريب حيث تم تسييجها وتشجيرها وتنظيمها، ثم تحول هذا المجلس الى مجلس روحاني ضم وجوها مندائية خيرة تم الاعتراف به رسميا من قبل الدولة ممثلا للمندائيين عام 1981، ثم سعى غضبان ورفاقه لبناء مندي القادسية، وقد تم ذلك بجهودهم الخيرة وبمؤازرة ابناء الطائفة.
كان المرحوم غضبان رومي يتحرك بنشاط في كافة المجالات من اجل خدمة الطائفة، وحين سمع من بعض المندائيين الذين زاروا الهند عن طائفة( البارسيين) وتشابه الكثير من طقوسهم مع الطقوس المندائية بادر الى مراسلتهم، واطلع على حقيقة دينهم، كما انه كان مرجعا لبعض الشباب من رجال ديننا الافاضل، يستشيرونه ويستزيدون من علمه ومعرفته الواسعة بامور الدين ويأخذون بمشورته، وحين كلفه الدكتور عبد الرزاق محي الدين، رئيس المجمع العلمي العراقي بتاليف كتاب عن الصابئة المندائيين ، بطلب من الموسوعة العربية في مصر، بادر بتأليف كتابه الموسوم( الصابئة) عام 1983 موضحا فيه حقائق كان يجهلها الكثيرون.
وهكذا كان المرحوم غضبان لايبخل بصحته وماله ووقته من اجل اعلاء اسم الطائفة وديانتها الجليلة، اضافة الى انه كان ابا مثاليا استطاع تربية اربعة ابناء واربع بنات تربية صالحة جعلتهم يتفوقون في مجال دراساتهم وتخصصاتهم. وقد نكب في اواخر ايامه بفقد عقيلته مما ترك فراغا كبيرا في حياته، وكان كل من عاشره من المندائيين او غيرهم يشهد بانه كان رائع السيرة، صادقا وفيا مخلصا عفيفا، وتميز على الدوام بانه صاحب شخصية مرموقة كسبت احترام وتقدير الجميع، بسبب استقامته ونزاهته وصراحته وجرأته في الحق، كما كان ذا عقلية موسوعية علمية، وقد استطاع اتقان اللغتين الانكليزية والمندائية بطلاقة، وتمكن من اللغة العربية ببراعة متميزة
وبوفاته رحمة الله عليه عام 1989 خسر المندائيون شخصية المعية وستبقى ذكراه خالدة في قلوب المندائيين.
--------------------------[center]